باقة من ألم..
الثلاثاء، 17 يوليو 2012
قصة قصيرة
أغلقت الباب وراءها بعد يومها الطويل المُرْهِق,حبات الثلج ترشق نافذة البيت الزجاجية وضعت معطفها المبلل على علاقة وراء الباب وحذاءها وضعته أسفل منه,نفضت شعرها الذي اغتسل بماءٍ كثير الليلة ذهبت إلى المطبخ وجدت قطعة متيبسة على منضدة في المطبخ ,وضعتها داخل كيس يملأ الكثير منها,ذهبت لتطمئن على أطفالها فتحت باب الغرفة ببطء لكي لا يصدر حركةٌ عن ذلك, الجميع مسافر إلى عالم الهدوء والسلام,بعثت لهم قبلةً دافئةً تحملها نسمات الهواء الباردة الآتية من شباك الغرفة الذي فتح جزء منه ذهبت إلى الصالة الصغيرة وفعلت كل شيء اعتادت على فعله منذ أن غادرها زوجها وحيدة تعول بأطفالها الأربعة ,كان يعمل في منجم لاستخراج الفضة,انقضت حياته حينما أصبح جثماناً.. عندما غرق بكومة من الحجارة التي انصبت عليه إثر حدوث زلزال في المنطقة فصعب إنقاذه إلا أن الحياة قد فارقته قبل أن يخرج على السطح,كان حنوناً بأبنائه يداعبهم باستمرار ويحبهم,أطفأت الموقد الذي أشعلته من قبل بحزمة من الحطب الذي أتت به من شجرة الصنوبر التي عاشت مايقرب المئة عام,بدأت العتمة ترخي سدولها وآض البيت معتماً أكثر مما سبق وكأنه يعاني من ألم في روحه الساكنة,دخلت غرفتها التي سينام فيها طفلها الصغير بالجنب منها,قد لملم قدميه بالقرب من يديه تحت غطاء صنعته أمه له,وجدت طرداً مخططاً بالأزرق على طاولة في الغرفة لم تلق له بالاً هذه المرة فقد كثرت مثل هذه الطرود في الآونة الأخيرة قررت أن تقرأه صباحاً,جلست على سجادة الصلاة التي اعتادت على أن تجلس عليها كلما أرادت,عندما تحب أن ترسل ما في قلبها إلى ربها كل ليلةٍ تشعر بضيق في داخلها...
ألقت بنفسها على الفراش بجنب طفلها وانقضت ليلاهم تلك كما كل يوم وفي الصباح زارتهم الشمس مبكرة بلا استئذان فقد خرقت عيون الأطفال اللامعة دخلت من شباك الغرفة,استيقظ لؤي وريم أولاً, قرروا أن يصنعوا لأمهم شيئا جميلا لأن ذكرى ميلادها اليوم,لم يوقظوها بعد فقد كانت مرهقة البارحة,حضروا مائدةً صغيرة لتناول الفطور وضعوا ماوجدوا وآنية من الزهر الأبيض وسط الطاولة ,بعد برهة انتهَوا من التحضير ذهبوا إلى أمهم حاملين معهم هدية مغلفة بالزينة الجميلة,جلس الأخ الكبير ليوقظ أمه لأكثر من مرة,لكنها لم تقبل ذلك فبدأ البكاء والصراخ يملآن البيت,حمل الناس الأم ليذهبوا بها إلى مكان بعيد موحش لتبقى هناك لوحدها في غرفة تناسب حجمها فقط,ظلت الفجعة ظاهرة على وجوه الأطفال, يجلس لؤي واضعاً رأسه بين يديه وريم بجانبه تستذكر سلسلةً من ذكريات قضوها معاً,عندما كانوا يجلسون على سلسلة حجرية تنبثق منها أعشاب صغيرة,يأكلون حلواهم المفضلة ويلتقط لهم الأب صورة جماعية,قطع ماتستذكر مجيء رجل يلبس مالطو أسود يمسك بيده باقة من الياسمين وضعها على جثمان الأم ووضع بجانبها طرداً مخططاً بالأزرق..
دموع الأطفال لم تقف فأغنية المساء التي تزورهم كل ليلة قد انقطعت,جمال حبات البرد المتراشقة ذهب, كل تلك الأشياء الحلوة قررت بألا تعود,راق للحزن أن يتواجد في البيت الصغير ,لبسته ذكراها المؤسية فغادرتها روحُها دون أن تأذنها وغادرتهم هِيَ دون أن تخبرهم,حتى يأنسوا بباقة من روح جمالها وألمها...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
13 تعليق على باقة من ألم..
لامست كلماتك روحي...
هنيئاً لك على هذا الإبداع..ودمت تألقاً.
بانتظار جديدك
أشكرك على كلماتك الرقراقة التي نسجتيها هنا..
وأنا سعيدة بتواجدك هنا في كل وقت..
:)
ليَ عودَة :))
وأنا آمل ذلك :)
قصـة محـزنـة حقـاً !
يا له من شـعور قاسٍ عندما تجتمع مرارة الفقد و قسوة الحياة
وأيَِ فقدٍ هذاا ! فقد الشمس والقمر
قصة مؤثرة حقا !
يا له من شعور قاسٍ !
عندما تجتمع قسوة الحياة و مرارة الفقد . .
وأيِّ فقدٍ هذا ؟! فقد الشمس والقمر
ربي لا تذقه لأحد
بالفعل يا لارا..الحياة مليئة ومليئة..لابد لنا أن نعيش الحلو والمر معا.. :)
جميلة كلماتك أحسست بها
دمتي مبدعة دائما
تحياتي
شكرا لك ميمي..وأنرتِ المدونة بأولى تعليقاتك.
:)
عندما تحب أن ترسل ما في قلبها إلى ربها كل ليلةٍ تشعر بضيق في داخلها...
هنيئاً لكِ على هذه الابداعات الرائعة .. راقت لى و كثيرا ً و شغفى دائما بالقراءة ان اقنطف بعض العبارات التى تجذبنى فاعذرينى جميلتى
بالطبع لكِ كل الحرية لتعجبي بما تعجبين...
أنا جدا جدا جدا...سعيدة بالتقاء كلماتك مع مدونتي هنا..
هي المرة الأولى وأتمنى ألا تكون الأخيرة من مثيلاتها..
تحياتي الجميلة لمعلمتي الأجمل:
مس داليا.. :)
عين الله تراعاكي صديقتي المتميزة.يا لها من كلمات مؤثرة تحنو لها القلوب.
كم جميلة تللك الحياة التي تحوي اناسا مبدعين يحملون في صدورهم قلوب رائعة كروعة قلبك.يمثلون القضية .مبدعة سارة
اكتب تعليقك
يمكنك مشاركتنا في ثرثرة المساء..لتقترب منا أكثر...